يمثل الاقتصاد الأزرق المستدام، فرصة استراتيجية حاسمة لليمن ودول الخليج، والدول المطلة على البحر الأحمر. ففي الوقت الذي تسعى فيه دول مجلس التعاون الخليجي إلى تنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد على النفط، يبرز الاقتصاد الأزرق كشريان حيوي لسبل العيش والأمن الغذائي في اليمن، وكرافعة اقتصادية رئيسية للدول المطلة على البحر الأحمر. ويمتلك الشباب في هذه المناطق إمكانات هائلة لقيادة هذا التحول، مدفوعين بوعي متزايد بقضايا الاستدامة ومهاراتهم الرقمية المتطورة.
وتُعدّ ريادة الأعمال، بمعناها الواسع، الشرارة التي تُشْعِل فتيل الابتكار والتنمية الاقتصادية. وتُمكِّن من تطوير نماذج أعمال جديدة لا تُركِّز فقط على الربح المادي، بل تُسهِم أيضاً في تحقيق العدالة الاجتماعية والحفاظ على البيئة. وبالتالي، تُصبح ريادة الأعمال الشبابية آلية عملية وفعالة لتحقيق التنمية المستدامة الشاملة. حيث تُقدِّم حلولاً مبتكرةً للتحديات المعقدة، وتُعزز من التنوع الاقتصادي، وتُسهِم في بناء مستقبل أكثر استدامة وازدهاراً للجميع.
يُمثل الاقتصاد الأزرق قوة اقتصادية عالمية هائلة. تُقدَّر قيمة أصوله بـ 24 تريليون دولار، ويولِّد قيمة اقتصادية سنوية تبلغ 2.5 تريليون دولار، فبالإضافة إلى دوره في توفير الأمن الغذائي لأكثر من ثلاثة مليار شخص، فإنه يُمكن نقل أكثر من 80% من البضائع العالمية عبر البحار والمحيطات، كما تسّتضيف المسطحات المائية كابلات بحرية تحمل 98% من حركة الإنترنت الدولية. ويَدعم بشكل مباشر وغير مباشر أكثر من 600 مليون وظيفة حول العالم. مما يجعله يعادل ثامن أكبر اقتصاد في العالم (1)(Deutsche Bank, 2024) هذا التقييم الاقتصادي الكبير يوفر حافزاً قوياً للدول للاستثمار في الاقتصاد الأزرق. وعند دمج ذلك مع التركيز على الاستدامة، فإنه يشير إلى أن النمو الاقتصادي في هذا القطاع يُنظر إليه على أنه مُربح ومسؤول بيئياً في نفس الوقت. وإن هذه الطبيعة الشاملة للاقتصاد الأزرق، التي تتجاوز مجرد استغلال الموارد الأولية، تتطلب نهجاً تكاملياً للتنمية يجمع بين الابتكار التكنولوجي والتعاون متعدد القطاعات لتحقيق أقصى استفادة من إمكاناته الكاملة.
ويُشكل البحر جزءاً من تاريخ وثقافة وأسلوب حياة سكان المناطق الساحلية والبحرية في اليمن والخليج والمناطق المجاورة. فهو رأس مالٍ طبيعي ومورد أصيل من موارد البيئة. ويشكِّل نهجاً تنموياً واعداً كونه يتيح فرصاً استثمارية تغطي مجموعة واسعة من القطاعات الإنتاجية الضرورية لدعم ريادة الأعمال ومشاركة الشباب في التنمية المستدامة، وبالرغم من ذلك، تواجه ريادة الأعمال الشبابية في الاقتصاد الأزرق تحديات عديدة، أهمها صعوبة الوصول إلى التمويل ونقص المهارات، وتدهور البنية التحتية.
وتَكْمُن الأهمية النظرية والتطبيقية لهذه الورقة في كونها تُسْهِم في الأدبيات البحثية للاقتصاد الأزرق وإبراز دور ريادة الأعمال الشبابية كقاطرة لتحويل التحديات إلى فرص استثمارية، وتقدم التّوصِيات الاستراتيجية والعملية لصُنّاع القرار والقيادات الشبابية وجميع الفاعلين لتعزيز مشاركة وريادة الشباب في الاقتصاد الأزرق باليمن والخليج والدول المطلة على البحر الأحمر. لذا تُركّز هذه الورقة على العلاقة التكافلية بين ثلاثة محاور رئيسية هي: (الشباب، وريادة الأعمال، والتنمية المستدامة، في الاقتصاد الأزرق المستدام). وتَفْتَرض أن الاستثمار في تمكين الشباب من خلال (التعليم، التدريب، التمويل، وبناء بيئة داعمة)، هو المفتاح لتعزيز ريادة الأعمال الشبابية ومشاركتهم الفعالة في الاقتصاد الأزرق. وهذا الانخراط الحيوي سَيُسهم في تحقيق تنمية مستدامة للاقتصاد الأزرق، والتي ستُترجم بدورها إلى تنمية شاملة للمجتمعات والدول المعنية.
واعتمدت الورقة لتحقيق أهدافها منهجية تحليلية وإجرائية متعددة الأوجه تجمع بين الأساليب النوعية والكمية من خلال إجراء مقابلات مع عينة هادفة من ثلاثة خبراء في مجالات الاقتصاد الأزرق وريادة الأعمال على مستوى المنطقة من دول اليمن والإمارات ومصر، واختيار ستة من المشاريع والمبادرات الرّيادية الناجحة التي يقودها الشباب في الاقتصاد الأزرق (محلياً وإقليمياً ودولياً) كدراسات حالة، كما تم جمع ومراجعة شاملة للأدبيات الأكاديمية المنشورة في الكتب، والمجلات العلمية المحكمة المتعلقة بالاقتصاد الأزرق وريادة الأعمال، وتم الاعتماد على التقارير والاحصاءات الصادرة عن المنظمات الدولية، مع الاستفادة من المعلومات المنشورة على المواقع الرسمية للمنظمات الدولية والإقليمية والمؤسسات البحثية ذات الصلة بالاقتصاد الأزرق.