ريادة الأعمال في عدن واليمن: بين
مطرقة التحديات وسندان الفرص
منذ عام 2023، شهدنا حراكًا ملحوظًا في
مجال ريادة الأعمال الابتكارية في عدن، يمثل جزءًا من اتجاه أوسع في اليمن. لكن،
بدلًا من النظر إلى هذا الحراك بعيون وردية، في هذا المقال سنلقي نظرة واقعية على التحديات
والفرص التي تواجه رواد الأعمال الطموحين في هذا البلد الذي يئن تحت وطأة الأزمات.
ريادة الأعمال في اليمن: قصة صمود وتحدٍ
في بلد يعاني من صراعات ونزاعات
مستمرة، وتدهور اقتصادي حاد، وانعدام الأمن، تبدو فكرة ريادة الأعمال ضربًا من
الجنون. لكن، على الرغم من كل هذه الصعاب، يظهر جيل جديد من الشباب اليمني الذي
يرفض الاستسلام، ويحاول إيجاد حلول مبتكرة لمشاكل مجتمعه في شتى القطاعات المختلفة
.
يواجه هؤلاء الرواد تحديات جمة، منها:
صعوبة الحصول على التمويل: البنوك والمؤسسات المالية مترددة في تقديم القروض للمشاريع الناشئة
بسبب المخاطر العالية لطبيعة هذه المشاريع خاصة في ظل البيئة المتغيرة . تشير
دراسة حديثة أجرتها منظمة العمل الدولية (2024) إلى أن 80% من رواد الأعمال في
اليمن يعتمدون على التمويل الذاتي أو قروض الأهل والأصدقاء.
ضعف البنية التحتية: اليمن يفتقر إلى البنية التحتية الأساسية اللازمة لدعم ريادة
الأعمال، مثل الكهرباء والإنترنت والطرق والمواصلات. يؤدي انقطاع الكهرباء المتكرر
إلى تعطيل العمل في العديد من الشركات الناشئة، ويكبدها خسائر فادحة.
القيود التنظيمية: الإجراءات البيروقراطية المعقدة والقوانين واللوائح القديمة التي
عفا عليها الزمن تعيق نمو الشركات الناشئة. يستغرق تسجيل شركة جديدة في اليمن وقتًا
طويلًا وجهدًا كبيرًا، ويكلف الكثير من المال .
نقص المهارات: العديد من رواد الأعمال يفتقرون إلى المهارات اللازمة لإدارة
الأعمال نظرا للنظام التي نما عليه الجيل السابق خاصة في عدن والذي لا يسمح لريادة
الاعمال بالتطور افتقر الجيل السابق لمهارات مثل التسويق والمحاسبة والإدارة
المالية مما جعل الجيل الحالي يعاني من نقص في هذه المهارات وهناك حاجة ماسة إلى
برامج تدريب وتأهيل للشباب في مجال ريادة الأعمال.
انعدام الأمن: الوضع الأمني غير المستقر يعيق حركة التجارة والاستثمار، ويجعل من
الصعب على الشركات الناشئة العمل في بعض المناطق. تتعرض الشركات الناشئة في بعض
الأحيان للابتزاز من قبل بعض الجماعات المسيطرة .
عدن: نافذة أمل في بحر الأزمات؟
عدن، بحكم موقعها الاستراتيجي وتاريخها
التجاري، تعتبر مركزًا واعدًا لريادة الأعمال في اليمن. لكن، حتى في عدن، يواجه
رواد الأعمال تحديات كبيرة، بالإضافة إلى التحديات العامة التي تواجه اليمن.
من بين التحديات الخاصة التي تواجه
عدن:
تدهور البنية التحتية: عدن تعاني من تدهور كبير في البنية التحتية، بسبب سنوات من الإهمال
والصراعات. شبكة الطرق متهالكة، وشبكة المياه والصرف الصحي في حالة يرثى لها،
وشبكة الكهرباء غير قادرة على تلبية احتياجات المدينة.
ارتفاع تكاليف المعيشة: عدن تعتبر من أغلى المدن في اليمن، مما يزيد من صعوبة بدء وتشغيل
الأعمال التجارية. ارتفاع أسعار الإيجارات والمواد الغذائية والوقود يضغط على
ميزانيات الشركات الناشئة.
المنافسة غير العادلة: الشركات الكبيرة والنافذة تستحوذ على معظم الفرص، وتعرقل نمو
الشركات الصغيرة والناشئة. هناك حاجة إلى قوانين ولوائح تحمي الشركات الصغيرة والناشئة من المنافسة غير العادلة.
فرص واعدة رغم كل شيء
على الرغم من كل هذه التحديات، هناك
فرص واعدة لريادة الأعمال في عدن واليمن منها :
القطاعات الواعدة: هناك قطاعات معينة لديها إمكانات كبيرة للنمو، مثل الزراعة، والثروة
السمكية، والسياحة، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا. يمكن لرواد الأعمال استغلال
هذه الفرص لتلبية احتياجات السوق المحلية والتصدير إلى الخارج.
الدعم الدولي: هناك العديد من المنظمات الدولية التي تقدم الدعم المالي والفني
لرواد الأعمال في اليمن. يمكن لرواد الأعمال الاستفادة من هذه البرامج لتطوير
مهاراتهم وتوسيع أعمالهم.
روح الابتكار: الشباب اليمني يتمتع بروح الابتكار والإبداع خاصة مع الانفتاح على
تجارب العالم من خلال السوشيال ميديا ، وهو ما يمكنهم من إيجاد حلول جديدة لمشاكل
مجتمعهم. هناك العديد من الأمثلة الناجحة لرواد أعمال يمنيين قاموا بتأسيس شركات
مبتكرة حققت نجاحًا كبيرًا.
السوق المحلية: اليمن سوق كبير يضم أكثر من 30 مليون نسمة، وهو ما يوفر فرصًا كبيرة
للشركات الناشئة. يمكن لرواد الأعمال تلبية احتياجات السوق المحلية من المنتجات
والخدمات والمساهمة في تحسين مستوى معيشة الناس.
لتحقيق النجاح في ريادة الأعمال في عدن
واليمن، يجب على رواد الأعمال أن يكونوا:
مبتكرين: يبحثون عن حلول جديدة لمشاكل
مجتمعهم.
مرنين: قادرين على التكيف مع الظروف
المتغيرة.
مثابرين: لا يستسلمون بسهولة.
متعاونين: يعملون معًا لتحقيق أهدافهم.
كما يجب على الحكومة والمجتمع المدني
والقطاع الخاص أن يعملوا معًا لخلق بيئة داعمة لريادة الأعمال، من خلال:
توفير التمويل والدعم الفني.
تحسين البنية التحتية.
تبسيط الإجراءات التنظيمية.
توفير التدريب والتأهيل.
خلق بيئة آمنة ومستقرة.
الاقتصاد الأزرق: فرصة للتحول المستدام
في خضم هذه التحديات، يبرز الاقتصاد
الأزرق كفرصة واعدة لعدن واليمن لتحقيق التنمية المستدامة. الاقتصاد الأزرق، كما
ذكرنا سابقًا، هو الاستخدام المستدام للموارد المحيطية لتحقيق النمو الاقتصادي
وتحسين سبل العيش والحفاظ على صحة النظم الإيكولوجية للمحيطات.
يمكن لرواد الأعمال في عدن واليمن
استغلال فرص الاقتصاد الأزرق في قطاعات مثل:
مصائد الأسماك المستدامة: تطوير أساليب صيد صديقة للبيئة، ودعم الصيادين المحليين، وتسويق
المنتجات البحرية المستدامة.
الاستزراع المائي: إنشاء مزارع سمكية مستدامة، وإنتاج أعلاف صديقة للبيئة، وتدريب
الشباب على تقنيات الاستزراع المائي الحديثة.
السياحة البيئية: تطوير منتجات سياحية مستدامة تحافظ على البيئة البحرية وتعود بالنفع
على المجتمعات المحلية، مثل الغوص ومشاهدة الدلافين والطيور.
الطاقة المتجددة: استغلال طاقة الأمواج والتيارات البحرية لتوليد الكهرباء، وتوفير
حلول طاقة نظيفة للمجتمعات الساحلية.
التكنولوجيا الحيوية البحرية: استخلاص مواد طبيعية من الكائنات البحرية لاستخدامها في الصناعات
الدوائية والتجميلية، وتطوير منتجات جديدة ومبتكرة.
لكن، لتحقيق الاستفادة القصوى من فرص
الاقتصاد الأزرق، يجب على رواد الأعمال أن:
يكونوا على دراية بالتحديات البيئية التي
تواجه البيئة البحرية في اليمن، مثل التلوث والصيد الجائر وتغير المناخ.
يتبنوا ممارسات مستدامة في جميع جوانب
أعمالهم.
يتعاونوا مع المجتمعات المحلية
الساحلية لحماية الموارد البحرية.
يسعوا للحصول على الشهادات البيئية
التي تثبت التزامهم بالاستدامة.
في
النهاية ريادة الأعمال في عدن واليمن ليست مهمة
سهلة، ولكنها ممكنة. من خلال العمل الجاد والمثابرة والتعاون، يمكن لرواد الأعمال
أن يحققوا النجاح، وأن يساهموا في بناء مستقبل أفضل لبلدهم.
Be the first to comment!