الوساطة الزرقاء: نحو شرق أوسط أكثر استقراراً

الوساطة الزرقاء: نحو شرق أوسط أكثر استقراراً

الوساطة الزرقاء: نحو شرق أوسط أكثر استقراراً 


خلفية: 

أن الصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وتزعزع المنظومة الدولية نظير الانتهاكات الانسانية التي يشهدها العالم في قطاع غزة والسودان واليمن ولبنان وسوريا وإيران والهجوم الغاصب على دولة قطر الشقيقة، مدعين إستهداف قادة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، يستدعي التحرك العاجل نحو إنشاء منظومة دفاعية موحدة تجمع جميع الدول العربية والتي تواجه خطر مشابهاً للدول المجاورة، إن الاتجاه نحو التحرك العسكري بالرغم من فعاليته ليس حلاً حالياً نظرآً لضعف المنظومة العربية الهجومية ونظير الانقسامات الداخلية التي تواجه دولنا العربية من الداخل، بالتالي اللجوء مرة أخرى نحو الطريق الدبلوماسي هو الحل الأمثل الآن وتجنب العواطف الهائجة، ويجب ان تنظر حكومات الغرب الى الانتهاكات التي تقوم بها "الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" على حد قولهم، على أنها خطيرة وتستدعي النظر اليها من منظور أمني دولي، إذ أن ما يحدث في الشرق الأوسط ما هو إلا تمهيدٌ لما سيحدث في جميع الدول، فالمشروع الذي مهد له دافيد بن غوريون لا يتوقف عند حدود الدول العربية فقط، فهو يتسع الى أبعد من ذلك، ولا نزال نشبه إسرائيل بالدولة النازية والتي يستدعي أن نتذكر كيف بدأت، والتي امتدت من أوروبا الشرقية إلى الغربية، وصولاً إلى شمال أفريقيا. 

أن هذه النزاعات والانتهاكات أصبحت خطراً يهدد الدول من الاستثمار في مصادرها والوصول باقتصاد الدولة إلى مرحلة مستقرة وخاصة عند التحدث عن الاقتصاد الأزرق الذي يعد فرصة ثمينة بالنسبة لدول الخليج والدول المشاطئة للبحر الأحمر، فالتهديدات الأمنية التي تشهدها دول الشرق الاوسط تؤدي بنفور المستثمرين نظير التقلبات الاقتصادية وعدم اليقين السياسي، وعلى الرغم من وجود الفرص الاستثمارية الضخمة في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد الدول المشاطئة للبحر الأحمر والخليج العربي في مجال الاقتصاد الأزرق ، إلا أنها لا تزال تواجه خطر الاضطرابات السياسية والتقلبات الامنية والتي بلا شك سيؤدي الى انتقال رؤوس الأموال إلى استثمارات أكثراً آماناً واستقراراً. بالتالي سيبحث هذا المقال في أهمية الدبلوماسية والوساطة في تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والذي سيمكن دول شبه الجزيرة العربية والمشاطئة للبحر الأحمر من الاستثمار في الاقتصاد الأزرق والذي يشهد إهتماماً كبيراً من المستثمرين من حيث كونه اقتصاداً صديقاً للبيئة واستثماراً تقدر قيمة أصوله الى نحو ٢٤ تريليون دولار(سلطان، "الاقتصاد الأزرق")، بالتالي هو اقتصاد مستدام ومربح في الوقت ذاته مما يجعله محط اهتمام للدول التي تسعى في رؤيتها الوطنية الى تحقيق الاستدامة بالتوافق مع أهداف التنمية المستدامة التي وافق عليها أعضاء الأمم المتحدة في دورتها السبعون (الأمم المتحدة، القرار A/RES/70/1). 


الوساطة الزرقاء: 

أن الحوار هو من الأسس التي بنيت عليها الحضارات وهو الأمر الذي يفرق الإنسان عن بقية الدواب، فالحيوانات لا تفهم لغة الحوار فطبيعتها تتجه نحو القتل والتقتيل، بينما طبيعة الانسان نفسه تؤول في الغالب الى الحوار وتجنب الصراع وهذا نقيض ما أشار اليه توماس هوبس والذي عرّف الانسان أنه "شرير ويميل الى الحرب"(هوبز،١٦٥١)، إلا أن جون جاك روسو على نقيضه آمن بأن "الإنسان يُولد طيّبًا، ولكن المجتمع يُفسده"(روسو، ١٧٥٥)، وأكد على ذلك وزير الخارجية الايرانية عباس عراقجي في كتابه قوة التفاوض إلى أن الحوار هي فطرة في الإنسان(عراقجي، ٢٠٢٥) واستشهد بذلك عدد من آيات القرآن الحكيم منها: "ا​​دْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ".(القرآن الكريم، النحل ١٢٥)، الذي أوضح فيه أهمية الحوار والمجادلة بالتالي هي أحسن، وأشار معالي وزير الخارجية الى أن الدول تتجه نحو الوساطة وتجنب العسكرة في حال كان استخدام القوة العسكرية أكثر تكلفة ولا يؤدي بالنتائج المرجوة، في حين أن الاتجاه نحو العمليات العسكرية يكون في حالة عدم التوازن في القوى، الدولة القوية عسكريًا تميل إلى فرض شروطها بالقوة بدلاً من الانخراط في عملية تفاوضية طويلة ومعقدة، لا تضمن لها تحقيق مصالحها بالكامل.


 ويعد الملف النووي الايراني نموذج لهذا النمط، فمنذ ٢٠٠٨ ولا زالت دول الغرب متمثلة في الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوربية تحاول التوصل الى تسوية مع إيران، أن الاستراتيجية المتبعة من قبل الجمهورية الاسلامية الايرانية فيما يتعلق بالملف النووي والقائمة على المماطلة السياسية حققت نوعاً من الضمانات لايران من الناحية الامنية حيث أتيحت لها تعزيز قدراتها التقنية والعلمية وكسب المزيد من الوقت دون أن تقدم تنازلات جوهرية،ووفقاً لتقرير شبكة الجزيرة بتاريخ ١٦ يونيو من ٢٠٢٥، الضربات التي شنتها إسرائيل ضد إيران عقدت المسار النووي، وأدت الى تعليق المحادثات المتعلقة بضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يشير الى أن التصعيد العسكري قد أضر بطريق التفاوض(الجزيرة، "الحرب على إيران"). وهذه الاستراتيجية هي ذاتها المتبعة من قبل إسرائيل، ففي عمليات التفاوض التي كانت بينها وبين حركات المقاومة بدأ من حركة فتح الى حين انضمامها إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وصولاً الى حركة المقاومة "حماس"، تم استخدام المفاوضات كغطاء سياسي لرفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل وتطور الامر وصولاً إلى قصف العاصمة القطرية ومحاولة اغتيال فريق التفاوض(وكالة وفا، ٩ سبتمبر ٢٠٢٥)، بالتالي أن تفضيل استخدام القوة العسكرية لا يكون فقط عند غياب التوازن في القوة، بل أيضاً عندما تستخدم المفاوضات والطرق الدبلوماسية كأداة للمناورة وليس طريقاً جاداً للوصول الى حل دبلوماسي. 


أنه بالرغم من فعالية طريق الوساطة والتفاوض الا أن طول المدة وتعقيدها واستخدامها كوسيلة للمناورة، تعيق جلوس أطراف النزاع في طاولة واحدة، بالتالي أن الوصول الى طريق الاقتصاد الازرق وتشجيعه وتحقيق الاستدامة البيئية مع تحقيق المنفعة المادية،  ينبغى أن يأخذ في عين الاعتبار الأمن الاقليمي، فالعمليات العسكرية تعيق قيام دول الخليج واليمن والدول المشاطئة للبحر الأحمر من الاستثمار في ثروتها الطبيعية، فرأس المال مثلما ذكرنا لا ينجذب لمنطقة مليئة بالنزاعات وعدم اليقين السياسي. 


بناء بيئة دبلوماسية: 

ومن هذا المنطلق، أن تبني طريق التفاوض واستبعاد استخدام القوى العسكرية التي في الغالب لا تحقق النتائج المرجوة والتي تعيق التوصل الى التسويات السياسية الدائمة، أن تبني المسارات السلمية بالاضافة الى كونه التزاماً قانونياً واخلاقياً يعد ضرورة استراتيجية لدول الشرق الاوسط، والتي تمتلك امكانيات هائلة في الاقتصاد الازرق. 

بالتالي جذب رأس المال الأجنبي يتطلب وجود بيئة مستقرة سياسية وأمناً إقليمياً متماسك، والذي لا يتحقق الا بتضافر الجهود الدبلوماسية وتجنب النزاعات المسلحة التي تقوض فرص النمو، بالتالي أن تعزيز الحوار وبناء منظومة إقليمية تعمل على الوساطة والتعاون السياسي، يمثل منطلق محوري لتحويل منطقة البحر الأحمر والخليج العربي من مناطق صراعات الى مناطق استثمارات والذي بدوره يتماشي مع أهداف التنمية المستدامة. 


الخاتمة: 

أن رغبة الشارع العربي برد المثل واستخدام القوة العسكرية نظيرا الاعتداءات العسكرية الغاشمة على العاصمة القطرية الدوحة بالرغم من فعاليته إلا أنه لا يمثل رداً عقلانياً، بل على نقيضه، بالتالي يوصي الباحث بضرورة انشاء آلية عربية اقليمية للوساطة، حيث أن الاقتصاد الازرق يمثل فرصة ثمينة تتطلب تكاتف الحكومات العربية من أجل بناء بيئة دبلوماسية تكون أرضية للاستثمار في الاقتصاد الازرق. 

  

المصادر: 

كتاب توماس هوبز، الليفياثان (Leviathan، 1651)

كتاب روسو، جان جاك. الرسالة عن أصل وعدم المساواة بين الناس. 1755.

 د. أحمد سلطان، "الاقتصاد الأزرق.. المفهوم والتحديات وأين وصلت الدولة المصرية في هذا الملف"، المرصد، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، ١ سبتمبر ٢٠٢٥، https://marsad.ecss.com.eg/68873/

الجزيرة. "الحرب على إيران.. هل عقّدت إسرائيل حسابات أميركا؟" الجزيرة نت، ١٦ يونيو ٢٠٢٥ www.aljazeera.net/politics/2025/6/16/بين-واشنطن-وطهران-هل-حلت-الحرب

وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية وفا. "الطيران الحربي الإسرائيلي يقصف العاصمة القطرية الدوحة." وفا، ٩ سبتمبر ٢٠٢٥، www.wafa.ps/Pages/Details/129576

"تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030." قرار الجمعية العامة A/RES/70/1، 25 أيلول 2015، https://www.un.org/ga/search/view_doc.asp?symbol=A/RES/70/1&Lang=A

Discussion (4)
User Avatar
alhalaSep 16, 2025 12:49
مقال رائع جدا خاصة في ظل الظروف الراهنة واعتداءات الاحتلال الصهيوني على عدة دول عربية -من بينها دولة قطر- وعلى جهود الوساطة المبذولة.

وأود الإشارة الى أن الوساطة كمفهوم لن ينجح في ظل وجود أطراف متعنتة وأطراف أخرى داعمة لهذا التعنت والجنون السياسي.
إن أول خطوة لبناء أمن المنطقة هو توحيد الجهود والتكاتف العربي الإسلامي لمنع تكرار الاعتداءات الصهيونية المشينة.
[+] View 1 Replies
User Avatar
alnabhanianfaalSep 25, 2025 12:00
شكراً جزيلاً أستاذة هالة، أتفق معك وهذا ما ذكرته في المقالة فتوحيد الجهود والتكاتف العربي الإسلامي حالياً غير ممكن من الناحية العسكرية الهجومية بالتالي الطريق الأمثل لذلك هو التكاتف الدبلوماسي وانشاء آلية وساطة مشتركة توحد الصوت العربي الاسلامي من خلال التأثير الدبلوماسي فهي كما نعلم قوة ناعمة الا أن أثرها ليس ناعماً.
User Avatar
FahdSep 19, 2025 12:14
مقال رائع يبرز بوضوح أن غياب الاستقرار السياسي والأمني في منطقة البحر الأحمر والخليج يشكّل العائق الأكبر أمام الاستثمار في الاقتصاد الأزرق، رغم الإمكانات الضخمة التي تقدر بتريليونات الدولارات. الربط بين الوساطة والدبلوماسية وبين تحفيز الاستثمار البحري يضع أساسًا لمفهوم الوساطة الزرقاء كأداة استراتيجية لحماية البيئة البحرية وضمان الاستدامة الاقتصادية.
[+] View 1 Replies
User Avatar
alnabhanianfaalSep 25, 2025 12:02
لك جزيل الشكر والتقدير أستاذ فهد، نعم وبالتأكيد وهذا الطرح من ثمرات النقاش المثمر في المنتدى.
Please log in to post a comment or reply.
}