على مدار عقود طويلة ارتبط مفهوم الحوار في المنطقة بالسياسة، الدين، أو الأمن، وعندما نتحدث عن “الحوار بين أتباع الأديان والثقافات”، غالباً ما يُنظر إليه باعتباره أداة للتقريب بين الشعوب وتخفيف التوترات. لكن هناك بُعد آخر لا يقل أهمية، بل ربما هو الأقدر على تحويل نتائج الحوار إلى أثر ملموس: الحوار الاقتصادي، والأهم من ذلك أن هذا النوع من الحوار يكتسب زخماً جديداً عندما تتقدمه قيادات نسائية تمتلك رؤية عملية وحسّاً إنسانياً في الوقت نفسه.
لماذا الحوار الاقتصادي الآن؟
المنطقة الممتدة من الخليج إلى اليمن
وشمال إفريقيا تعيش اليوم مرحلة تحولات عميقة: مشاريع تنموية عملاقة، إصلاحات
اقتصادية، وتحديات متشابكة مثل التغير المناخي، الأمن الغذائي، وتذبذب أسعار
الطاقة. كل هذه الملفات تحتاج إلى مساحات مشتركة للتنسيق والتعاون.
هنا يأتي دور الحوار الاقتصادي كمنصة تسمح للدول والمجتمعات – بما فيها النساء الرائدات في قطاعات الأعمال – بالتلاقي بعيداً عن الجدل السياسي. الحوار حول التجارة، الاقتصاد، التكنولوجيا، والسياحة، يفتح أبواباً لشراكات عملية قد تكون أعمق أثراً على الاستقرار من أي وثيقة سياسية.
المرأة كرائدة في هذا المجال
النساء في الخليج واليمن لم يعدن
مجرد مشاركات على الهامش في الاقتصاد، في السعودية على سبيل المثال، بلغت نسبة
مشاركة المرأة في سوق العمل أكثر من 35% خلال السنوات الأخيرة، وبرزت أسماء عديدة
في قطاعات السياحة، التكنولوجيا المالية، والتجزئة الحديثة. أما في اليمن، ورغم
الظروف الصعبة، فقد ظهرت مبادرات نسائية قوية في مجالات الأغذية، التعليم،
والتجارة الإلكترونية، وأصبحت نماذج للإصرار والابتكار.
لكن الأهم هو أن المرأة، بحكم طبيعتها القيادية التي تميل إلى بناء الثقة والشبكات طويلة الأمد، قادرة على تحويل المشاريع الاقتصادية إلى منصات حوار مستدامة، فعندما تدخل سيدات الأعمال من الرياض أو أبوظبي في شراكات مع نظيراتهن في عدن أو صنعاء أو عمان، فإن ذلك لا يعكس فقط صفقة تجارية، بل يخلق قنوات تواصل مجتمعية تعزز الاستقرار على المدى الطويل.
من التنافس إلى التعاون
من التحديات الراسخة في المنطقة أن
الاقتصاد ظل يُستخدم أحيانًا أداة للتنافس بدلاً من التكامل، هنا تظهر أهمية
القيادة النسائية: فهي أكثر ميلاً إلى صياغة شراكات تعاونية قائمة
على الربح المتبادل، لا على الهيمنة.
لنأخذ مثالاً على ذلك: شركات نسائية سعودية ناشئة في مجال الأغذية والمشروبات يمكن أن ترتبط بمزارع نسائية صغيرة في اليمن لإنتاج قهوة أو عسل عالي الجودة يُسوّق في الخليج والعالم. هذا النوع من الشراكات يحوّل الاقتصاد إلى مساحة تبادل ثقافي وتجاري في آن واحد.
التكنولوجيا: فضاء جديد للحوار
النسائي
التقنيات الرقمية منحت النساء أداة
قوية لتوسيع نطاق الحوار الاقتصادي، منصات التجارة الإلكترونية ووسائل التواصل
الاجتماعي لم تعد مجرد أدوات تسويق، بل تحولت إلى جسور للتعاون عبر الحدود. رائدات
أعمال من الخليج بدأن يقدمن تدريبات عبر الإنترنت لنساء في اليمن والسودان حول
مهارات التسويق الرقمي، التمويل الصغير، وحتى الاستدامة البيئية في المشاريع.
هذه التدريبات الرقمية ليست مجرد نقل معرفة، بل هي حوارات اقتصادية متجددة تُبنى حولها مجتمعات من الثقة والدعم.
الحوار الاقتصادي كأداة دبلوماسية
عندما يقود النساء الحوار الاقتصادي،
فإنه يكتسب مصداقية دبلوماسية ناعمة، فبينما قد تتعثر المفاوضات الرسمية
بين الحكومات، يمكن أن تستمر العلاقات الاقتصادية بقيادة سيدات الأعمال في ربط
المجتمعات معاً، هذه القوة الناعمة تتماشى مع رؤية المنطقة للسلام والتنمية، وتفتح
مساحات للعمل المشترك حتى في ظل توترات سياسية.
في الواقع، هذا النموذج ينسجم مع فلسفة "الواحة": تمكين الشباب والقيادات الجديدة من تحويل الحوار إلى خطط قابلة للتنفيذ، إدماج النساء في هذا النموذج يضيف طبقة إضافية من العمق، حيث تمتلك المرأة القدرة على الجمع بين المنظور الاقتصادي والبعد الاجتماعي، مما يجعل الحوار أكثر شمولية.
المستقبل: من المبادرات الصغيرة إلى
شبكات إقليمية
التحدي اليوم ليس في إثبات قدرة
النساء على قيادة الحوار الاقتصادي – فقد أثبتن ذلك بالفعل – بل في تحويل
المبادرات الفردية إلى شبكات إقليمية، نحتاج إلى منصات تجمع رائدات الأعمال
من اليمن والخليج والعراق ولبنان، ليس فقط لتبادل الخبرات، بل لصياغة مشاريع
مشتركة تخدم الاستقرار الإقليمي.
تخيلوا شبكة نسائية تعمل في مجال الطاقة، حيث تساهم سيدات أعمال من الخليج بالتمويل والتقنية، وتقدم رائدات من اليمن خبرتهن في إدارة الموارد المحلية، بينما تنضم نساء من الأردن ومصر في مجال التعليم والتدريب، هذه ليست فكرة مثالية بعيدة، بل واقع يمكن أن يُبنى عبر مبادرات مثل "الواحة" التي تخلق الأرضية لهذا النوع من التعاون.
خاتمة
الحوار الاقتصادي ليس رفاهية، بل
ضرورة استراتيجية في منطقتنا، وعندما تكون المرأة في موقع القيادة لهذا الحوار،
فإن النتائج تتجاوز حدود الأرقام والمؤشرات، لتصل إلى بناء ثقة إقليمية
جديدة.
من خلال ريادة الأعمال، تستطيع القيادات النسائية تحويل مسار المنطقة من ساحات التنافس والصراع إلى مساحات التعاون والاستقرار، هذا هو جوهر الحوار الاقتصادي بقيادة نسائية: ليس مجرد نقاش حول الأعمال، بل إعادة تعريف لطبيعة العلاقة بين شعوب المنطقة.
                            
                                        
                                        
                                        
ويوضح أن المرأة ليست مجرد مشارك في الاقتصاد، بل قائدة قادرة على بناء الثقة والشبكات، وتحويل الشراكات الاقتصادية إلى أدوات سلام مستدام. ويقدم المقال الاقتصاد وخاصة بقيادة النساء كأداة دبلوماسية بديلة تكمل المسارات السياسية المتعثرة، وتُبقي قنوات التواصل مفتوحة حتى في أوقات الأزمات.