رؤية مختصرة للسياسات والتشريعات الحالية للاقتصاد الأزرق في اليمن - 2

رؤية مختصرة للسياسات والتشريعات الحالية للاقتصاد الأزرق في اليمن - 2

بناءاً على ما تم عرضه من فجوات في المقال السابق، نستنتج ان هناك حاجة ملحة إلى مراجعة شاملة للإطار القانوني والسياساتي الحالي في اليمن، وتطوير تشريعات جديدة وتبني رؤية استراتيجية متكاملة لتمكين اليمن من تحقيق أقصى استفادة من إمكاناتها في الاقتصاد الأزرق بطريقة مستدامة. في هذا الجزء الثاني من هذا المقال، نسعى إلى تقديم مقترحات عملية لتعزيز وتبني سياسات شاملة ترسم خارطة طريق اولية لتنمية الاقتصاد الأزرق في اليمن. حيث سنقوم بالتركيز وتسليط الضوء على الإطار القانوني والمؤسسي الذي يحكم القطاعات الرئيسية للاقتصاد الأزرق في اليمن، مثل: مصايد الأسماك، والنقل البحري، والسياحة البحرية، والطاقة المتجددة البحرية، والتكنولوجيا الحيوية البحرية.

مقترحات لتعزيز وتبني سياسات شاملة لتنمية الاقتصاد الأزرق في اليمن:

لتحقيق الاستفادة القصوى من الإمكانات الهائلة للاقتصاد الأزرق في اليمن ومعالجة الفجوات التشريعية والسياساتية القائمة يتطلب الأمر تبني نهج شامل ومتكامل يرتكز على عدة محاور رئيسية. تهدف هذه المقترحات إلى بناء إطار قوي ومستدام يمكن لليمن من خلاله تعزيز اقتصادها الأزرق وتحقيق التنمية المستدامة:

1. على مستوى السياسات والاستراتيجيات:

نظراً للطبيعة العابرة للحدود للعديد من القضايا البحرية (مثل إدارة المخزون السمكي المشترك، مكافحة الصيد غير القانوني، حماية البيئة البحرية الخ)، يجب على اليمن تعزيز التعاون الإقليمي والدولي مع الدول المجاورة والمنظمات الإقليمية والدولية، ويمكن أن يشمل ذلك تبادل الخبرات والمعرفة، وتنسيق السياسات، والمشاركة في المبادرات الإقليمية المتعلقة بالاقتصاد الأزرق.

يجب على الحكومة اليمنية أن تقوم بوضع / بإعداد استراتيجية وطنية شاملة وواضحة المعالم للاقتصاد الأزرق، تحدد الأهداف والأولويات والقطاعات الرئيسية المستهدفة (مثل مصايد الأسماك، تربية الأحياء المائية، النقل البحري، السياحة البحرية، الطاقة المتجددة البحرية، التكنولوجيا الحيوية البحرية). ويجب أن تكون هذه الاستراتيجية مبنية على تقييم شامل للموارد والإمكانات والتحديات، وأن تتضمن مؤشرات أداء قابلة للقياس لضمان تتبع التقدم المحرز. كما ينبغي أن تكون هذه الاستراتيجية نتاجاً لعملية تشاركية تضم جميع أصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني والجهات البحثية.

يُعد التخطيط المكاني البحري أداة حيوية لإدارة استخدامات المناطق البحرية بشكل فعال ومنظم، ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة وحماية النظم البيئية البحرية. وبناءاً عليه يجب على اليمن تطوير خطة وطنية للتخطيط المكاني البحري تحدد الاستخدامات المختلفة للمناطق البحرية (مثل مناطق الصيد، مناطق الحماية البيئية، ممرات الشحن، مناطق تطوير الطاقة المتجددة البحرية الخ) وتضمن التوافق بين هذه الاستخدامات وتجنب تضارب المصالح.

2. على مستوى التشريعات والقوانين:

هناك حاجة ماسة وعاجلة لمراجعة وتحديث وتعديل القوانين الحالية (مثل القانون البحري، وقانون حماية البيئة، وقانون تنظيم واستغلال الأحياء المائية وحمايتها)، لتشمل المفاهيم الحديثة للاقتصاد الأزرق ومتطلبات التنمية المستدامة. حيث يجب أن تتضمن هذه التعديلات أحكاماً واضحة بشأن:

○ تعزيز الاستدامة البيئية البحرية: من خلال تحديد آليات واضحة لحماية البيئة البحرية من جميع أشكال التلوث، وتحديد معايير صارمة للصيد المستدام، وإنشاء وإدارة المناطق البحرية المحمية بفعالية، وحماية التنوع البيولوجي البحري.

○ إدراج أحكام قانونية لتنظيم وتشجيع الاستثمار في القطاعات الناشئة (الواعدة) مثل الطاقة المتجددة البحرية (طاقة الرياح، طاقة المد والجزر)، والتكنولوجيا الحيوية البحرية، وتربية الأحياء المائية المستدامة، والسياحة البحرية البيئية.

وهناك حاجة ايضاً لإصدار وسن تشريعات وقوانين جديدة لسد الفجوات التشريعية في بعض القطاعات التي لا تغطيها القوانين الحالية بشكل كافٍ، مثل قانون خاص بالتخطيط المكاني البحري، أو قانون لتنظيم وإدارة المناطق الساحلية بشكل متكامل، او قانون لتشجيع المستثمرين المحليين والخارجيين ورواد الاعمال الشباب للاستثمار في مختلف مجالات الاقتصاد الازرق.

3. على مستوى بناء القدرات والمؤسسات:

يجب على الحكومة اليمنية الاستثمار في تطوير رأس المال البشري من خلال التركيز على التخصصات المتعلقة بالاقتصاد الأزرق في الجامعات والمعاهد ومراكز التدريب المهني. يشمل ذلك برامج في علوم البحار، مصايد الأسماك، الهندسة البحرية، الإدارة الساحلية، السياحة البيئية، والتكنولوجيا الحيوية البحرية. كما يجب توفير فرص التدريب العملي والتأهيل للشباب لتمكينهم من الانخراط في وظائف الاقتصاد الأزرق. اضافة الى بناء وتعزيز قدرات المؤسسات الحكومية المعنية بإدارة القطاع البحري، من خلال توفير التدريب اللازم للموظفين، وتحديث البنية التحتية، وتطبيق أنظمة إدارة حديثة لضمان الفعالية والشفافية في إدارة الموارد البحرية.

يلعب القطاع الخاص دوراً حيوياً في توفير رأس المال والخبرة والابتكار اللازمين لتنمية مشاريع الاقتصاد الأزرق. وعليه يجب على الحكومة توفير بيئة استثمارية جاذبة للقطاع الخاص من خلال تبسيط الإجراءات، وتقديم الحوافز، وتوفير البنية التحتية اللازمة لتشجيع الاستثمار في هذا القطاع. كما ان تشجيع الأبحاث والدراسات العلمية والابتكار في مجال الاقتصاد الأزرق، وتوفير الدعم اللازم للمراكز البحثية والجامعات لإجراء دراسات حول الموارد البحرية اليمنية، وتطوير تقنيات جديدة، وابتكار حلول مستدامة للتحديات التي تواجه القطاع البحري في اليمن.

ومن خلال تبني المقترحات السابقة، يمكن لليمن أن تضع اللبنة الأساسية لبناء اقتصاد أزرق مزدهر ومستدام، يساهم في تحقيق الأمن الغذائي، وتوفير فرص العمل، وتنويع مصادر الدخل، وحماية البيئة البحرية للأجيال القادمة.

ختاماً، يمثل الاقتصاد الأزرق فرصة ذهبية لليمن لتحقيق التنمية المستدامة وتحقيق التعافي الاقتصادي والخروج من الازمات التي تعاني منها في ظل الظروف الراهنة. توفر الموارد البحرية الهائلة التي تمتلكها البلاد - من مصايد الأسماك الغنية إلى الموقع الجغرافي الاستراتيجي - أساساً قوياً لبناء اقتصاد مزدهر ومتنوع. ومع ذلك، فإن الاستفادة الكاملة من هذه الإمكانات تتطلب جهداً وطنياً متضافراً لتبني سياسات شاملة ومستدامة، وممارسات فعالة لتحديث الإطار القانوني القائم، وسد الفجوات التشريعية التي تعيق تنمية القطاعات البحرية الناشئة.

إن تبني رؤية استراتيجية واضحة وشاملة للاقتصاد الأزرق في اليمن من خلال تطوير خطط للتخطيط المكاني البحري، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، إلى جانب تحديث القوانين الحالية وسن تشريعات جديدة، والاستثمار في بناء القدرات البشرية والمؤسسية، كلها خطوات أساسية لتمكين اليمن من تحقيق أقصى استفادة من مواردها البحرية بطريقة مسؤولة ومستدامة. السبيل الوحيد امام اليمن لضمان مستقبل أزرق مزدهر يحقق لها الأمن الغذائي، ويوفر لها فرص العمل، ويحمي البيئة البحرية بطريقة مستدامة تحافظ على حقوق الأجيال القادمة لن يتحقق الا من خلال تضافر جهود القطاع الحكومي والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمجتمع الدولي والمحلي والمراكز البحثية معاً.

Discussion (0)

Be the first to comment!

Please log in to post a comment or reply.