تمهيد:
يُعرف الاقتصاد
الأزرق بالاستخدام المستدام لموارد المحيطات والبحار والسواحل لتحقيق النمو
الاقتصادي وتحسين سبل العيش وتوفير الوظائف مع الحفاظ على صحة النظم البيئية
البحرية. يمثل هذا الاقتصاد ركيزة أساسية للتنمية المستدامة في العديد من الدول
الساحلية حول العالم. بالنسبة لليمن - التي تمتلك شريطاً ساحلياً طويلاً يمتد على
البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي - فإن إمكانات الاقتصاد الأزرق هائلة وغير
مستغلة بشكل كامل[1]. يعتمد الاقتصاد اليمني بشكل كبير على النفط، ويمكن
للاقتصاد الازرق أن يلعب دوراً محورياً في تنويع مصادر الاقتصاد اليمني، من خلال توفير
فرص عمل جديدة، وتعزيز الأمن الغذائي، وتحقيق التنمية الشاملة في ظل التحديات
الاقتصادية الراهنة التي تواجهها البلاد [2].
نسعى من خلال
هذا المقال والمكون من جزئين إلى تحليل السياسات والقوانين والتشريعات اليمنية
الحالية المتعلقة بالاقتصاد الأزرق، وتحديد التحديات والفجوات التشريعية في هذه
القوانين والسياسات، بالإضافة إلى تقديم مقترحات عملية لتعزيز وتبني سياسات شاملة ترسم
خارطة طريق اولية لتنمية الاقتصاد الأزرق في اليمن. كما سنقوم بالتركيز وتسليط
الضوء على الإطار القانوني والمؤسسي الذي يحكم القطاعات الرئيسية للاقتصاد الأزرق في
اليمن، مثل: مصايد الأسماك، والنقل البحري، والسياحة البحرية، والطاقة المتجددة
البحرية، والتكنولوجيا الحيوية البحرية.
السياسات والقوانين
اليمنية الموجودة المتعلقة بالاقتصاد الأزرق:
على الرغم من
عدم وجود إطار قانوني شامل وموحد مخصص بالكامل للاقتصاد الأزرق في اليمن، إلا أن
هناك عدداً من القوانين والتشريعات القائمة التي تتناول جوانب مختلفة من الأنشطة
البحرية والساحلية والتي يمكن اعتبارها اللبنات الأساسية التي يمكن البناء عليها
لتطوير سياسات أكثر شمولاً للاقتصاد الأزرق. تشمل هذه القوانين ما يلي:
1.
القانون البحري (قانون رقم
15 لسنة 1994): يُعد القانون البحري اليمني الصادر بالقرار
الجمهوري رقم (15) لسنة 1994، الإطار التشريعي الأساسي الذي ينظم الملاحة البحرية
والسفن في المياه اليمنية. يتناول هذا القانون جوانب حيوية مثل جنسية السفن،
وتسجيلها، ووثائقها، بالإضافة إلى الأحكام المتعلقة بملكية السفن والتصرفات
القانونية عليها، وتأجيرها، والعقوبات المفروضة على المخالفات
[3].وتتمثل أهمية هذا القانون للاقتصاد الأزرق في اليمن، في الاتي:
●
يوفر القانون الإطار
اللازم لتنظيم حركة السفن مما يدعم قطاع النقل البحري وهو أحد المكونات الرئيسية
للاقتصاد الأزرق. فالنقل البحري يسهل التجارة الدولية ويساهم في تعزيز حركة
البضائع والأفراد مما يعزز النشاط الاقتصادي العام.
●
يساهم القانون في إضفاء
الشرعية على الأنشطة البحرية وتسهيل الرقابة عليها من خلال تحديد آليات تسجيل
السفن، وهو أمر ضروري لتطوير أسطول بحري وطني فعال.
●
يتناول القانون بعض
الجوانب المتعلقة بالاستغلال الاقتصادي للسفن مثل التأجير، مما يوفر أساساً
قانونياً للاستفادة التجارية من الأصول البحرية.
ومع ذلك، فإن
تركيز القانون البحري ينصب بشكل أساسي على الجوانب التقليدية للملاحة البحرية ولا
يتطرق بشكل مباشر إلى المفاهيم الحديثة للاقتصاد الأزرق مثل الاستدامة البيئية
البحرية، أو تنظيم القطاعات الناشئة كطاقة المحيطات أو التكنولوجيا الحيوية
البحرية أو السياحة البحرية المستدامة.
2.
قانون حماية البيئة (قانون
رقم 26 لسنة 1995): صدر قانون حماية البيئة اليمني بالقرار الجمهوري رقم (26) لسنة
1995، ويهدف إلى حماية البيئة ومكوناتها الطبيعية من التلوث والتدهور. يعرّف
القانون البيئة والمواد الملوثة والتلوث والأثر البيئي والضرر البيئي، ويحدد مبادئ
عامة للحفاظ على الموارد الطبيعية ومنع التلوث. كما يتناول القانون أهمية تقييم
الأثر البيئي للأنشطة والمشاريع ويحتوي على أحكام تتعلق بالنفايات الخطرة وإدارتها
[4].
وتتمثل أهمية هذا القانون للاقتصاد الأزرق في اليمن، في الاتي:
●
يوفر القانون إطاراً عاماً
لحماية البيئة والذي يمكن أن يشمل البيئة البحرية بشكل غير مباشر. فالحفاظ على
جودة المياه البحرية والنظم البيئية الساحلية أمر حيوي لضمان استدامة الأنشطة
الاقتصادية البحرية.
●
يتضمن القانون مبادئ
أساسية للحفاظ على الموارد الطبيعية ومنع التلوث، وهي مبادئ جوهرية للاقتصاد
الأزرق المستدام الذي يسعى إلى تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على
البيئة.
●
يساهم القانون في دعم جهود
التنمية المستدامة، لأنه يفرض إلزامية تقييم الأثر البيئي للأنشطة والمشاريع كونها
أداة مهمة لضمان أن المشاريع الجديدة خصوصاً تلك المتعلقة بالقطاعات البحرية لا تسبب
أضراراً بيئية كبيرة.
على الرغم من
هذه الأهمية، فإن قانون حماية البيئة لا يركز بشكل خاص على البيئة البحرية أو
الأنشطة البحرية بشكل مفصل. فهو لا يتضمن أحكاماً محددة لتنظيم الأنشطة الاقتصادية
البحرية مثل الصيد المستدام أو تربية الأحياء المائية أو السياحة البحرية أو
استغلال الطاقة المتجددة البحرية، كما أنه لا يحدد آليات واضحة لتطبيق مبادئ
الاستدامة على القطاعات البحرية بشكل خاص.
3. قانون
تنظيم واستغلال الأحياء المائية وحمايتها (قانون رقم 2 لسنة 2006): يُعد هذا
القانون - الصادر بالقرار الجمهوري رقم (2) لسنة 2006 - من أهم التشريعات المتعلقة
بالاقتصاد الأزرق في اليمن، حيث يركز بشكل مباشر على تنظيم قطاع الثروة السمكية.
يهدف القانون إلى حماية الأحياء المائية وبيئتها البحرية من الاصطياد العشوائي
والممارسات الضارة، ويشجع وينظم الاستثمار في مجال صيد واستغلال الأحياء المائية
وتسويقها. كما يضع ضوابط ومعايير لتنظيم الاصطياد التقليدي والساحلي والصناعي،
ويهدف إلى تطوير أسطول وطني للصيد [5].
وتتمثل أهمية هذا القانون للاقتصاد الأزرق في اليمن، في الاتي:
●
يُعد هذا القانون ركيزة
أساسية لتنظيم قطاع الثروة السمكية
وإدارة مصايد الأسماك التي تُعد من أهم مكونات الاقتصاد الأزرق في اليمن. فتنظيم
الصيد يساهم في الحفاظ على المخزون السمكي وضمان استدامته للأجيال القادمة.
●
يركز القانون على حماية
الأحياء المائية وبيئتها مما يدعم جهود الحفاظ على التنوع البيولوجي البحري وهو
أمر حيوي لصحة النظم البيئية البحرية وقدرتها على توفير الخدمات البيئية
والاقتصادية.
●
يساهم القانون في تنمية القطاع
السمكي من خلال تشجيع الاستثمار في هذا القطاع، وزيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني
مما يخلق فرص عمل ويزيد من الدخل القومي.
على الرغم من
أهمية هذا القانون، إلا أنه يركز بشكل أساسي على الصيد التقليدي والصناعي ولا
يتناول بشكل كافٍ جوانب أخرى من الاقتصاد الأزرق مثل تربية الأحياء المائية
المستدامة أو التكنولوجيا الحيوية البحرية أو السياحة البحرية أو الطاقة المتجددة
البحرية. كما أنه لا يتطرق إلى آليات محددة لإدارة المخلفات البحرية أو التخطيط
المكاني البحري الشامل.
الفجوات في السياسات والتشريعات
اليمنية المتعلقة بالاقتصاد الأزرق:
على الرغم من
وجود بعض التشريعات التي تتناول جوانب من الأنشطة البحرية في اليمن، إلا أن هناك
فجوات كبيرة في الإطار القانوني والسياساتي الحالي، مما يعيق التنمية الشاملة
والمستدامة للاقتصاد الأزرق. ويمكن تلخيص هذه الفجوات فيما يلي:
اولاً: غياب
رؤية استراتيجية شاملة للاقتصاد الأزرق في اليمن: تفتقر اليمن إلى
استراتيجية وطنية متكاملة وواضحة المعالم للاقتصاد الأزرق. فالقوانين الحالية - كما
ذكرنا سابقاً - هي قوانين قطاعية تركز على جوانب محددة (مثل الملاحة أو الصيد أو
حماية البيئة بشكل عام) دون وجود رؤية موحدة تربط هذه القطاعات وتوجهها نحو تحقيق
أهداف الاقتصاد الأزرق المستدام. ويؤدي غياب الاستراتيجية الشاملة إلى:
●
التخطيط
المجزأ
لكل قطاع على حدة مما يؤدي إلى تضارب في المصالح وازدواجية في الجهود وعدم تحقيق
التكامل اللازم بين الأنشطة البحرية المختلفة. على سبيل المثال، قد تتعارض مشاريع
التنمية الساحلية مع مناطق الصيد أو المناطق المحمية بيئياً بسبب غياب التخطيط
المكاني البحري الشامل [2].
●
ضعف التنسيق بين الجهات
الحكومية المختلفة المعنية بالقطاع البحري (مثل وزارة الثروة السمكية، وزارة
النقل، وزارة المياه والبيئة، وزارة السياحة)، مما يعيق اتخاذ القرارات الفعالة وتنفيذ
المشاريع المشتركة.
●
منع الاستفادة الكاملة من إمكانات
اليمن البحرية الهائلة ذات المجالات المتعددة، وعدم الاستفادة منها وتحويلها إلى
فرص اقتصادية حقيقية [1].
ثانياً: قصور
في التشريعات الحالية وعدم مواكبتها للمفاهيم الحديثة: القوانين والسياسات الحالية
- على الرغم من أهميتها - لم يتم تحديثها لتشمل المفاهيم الحديثة للاقتصاد الأزرق
ومتطلبات التنمية المستدامة. وهذا القصور يظهر في عدة جوانب:
أ-
الاستدامة
البيئية البحرية: على الرغم من وجود قانون حماية البيئة، إلا أنه لا
يتضمن أحكاماً تفصيلية ومحددة لحماية
البيئة البحرية ومعالجتها من أنواع التلوث البحري المختلفة (مثل التلوث البلاستيكي،
والتلوث من السفن، والتلوث من الأنشطة البرية التي تؤثر على البيئة البحرية) بشكل
فعال. كما أن آليات الرصد والإنفاذ قد تكون ضعيفة [4].
وعلى
الرغم من وجود قانون الثروة السمكية الذي ينظم عملية الصيد، إلا أن هناك حاجة إلى
تشريعات أكثر تفصيلاً لضمان ممارسات الصيد المستدام، مثل تحديد حصص الصيد، وتنظيم
مواسم الصيد، وحماية مناطق تكاثر الأسماك، ومكافحة الصيد الجائر، والصيد غير
القانوني (العشوائي) غير المبلغ عنه وغير المنظم [5]. اضافة الى عدم وجود تشريعات كافية لحماية التنوع البيولوجي البحري (حماية
الأنواع البحرية المهددة بالانقراض)، ولا توجد ايضاً تشريعات كافية لإنشاء وإدارة
المناطق البحرية المحمية بشكل فعال وللحفاظ على الموائل البحرية الحساسة مثل الشعاب
المرجانية وأشجار المانجروف[4].
ب- القطاعات الناشئة والواعدة: لا توجد أي تشريعات أو سياسات واضحة لتنظيم
وتشجيع الاستثمار في القطاعات الناشئة
والواعدة مثل: مشاريع الطاقة المتجددة البحرية (كمزارع الرياح البحرية أو
محطات توليد الطاقة من المد والجزر أو الأمواج). هذه القطاعات يمكن أن توفر مصادر
طاقة نظيفة تساهم في تغطية العجز وحصول السكان على مصادر طاقة مستدامة وتساهم في
تنويع مصادر الطاقة في اليمن [1]. ايضاً يفتقر الإطار القانوني إلى أي أحكام تتعلق بتشجيع
البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا الحيوية البحرية، أو تنظيم استغلال الموارد
البيولوجية البحرية لأغراض طبية أو صناعية أو غذائية [1].
وعلى الرغم من ذكر الاستزراع السمكي في قانون الثروة
السمكية، إلا أن هناك حاجة إلى تشريعات أكثر تفصيلاً لتنظيم وتطوير قطاع تربية الأحياء المائية بشكل مستدام،
بما في ذلك معايير الجودة والسلامة البيئية، وتحديد المواقع المناسبة للمزارع
السمكية، وتشجيع الاستثمار فيها [5].ولا توجد
قوانين أو سياسات محددة لتنظيم وتطوير السياحة البحرية وجعلها اكثر استدامة، أو
حماية المناطق الساحلية والجزر ذات الجذب السياحي البيئي، أو تنظيم الأنشطة
السياحية البحرية لضمان عدم تأثيرها سلباً على البيئة البحرية
[1].
ت- إدارة متكاملة للمناطق
الساحلية والبحرية: لا يوجد إطار قانوني أو
مؤسسي يدعم التخطيط المكاني البحري،
ويعد أداة أساسية لإدارة استخدامات المناطق البحرية المختلفة بشكل متكامل ومنظم،
وتجنب تضارب الاستخدامات وتعزيز التنمية المستدامة[2].
كما تفتقر اليمن إلى إطار قانوني وسياساتي شامل للإدارة
المتكاملة للمناطق الساحلية، والذي يهدف إلى تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية
والاجتماعية وحماية البيئة في المناطق الساحلية [4].
ث- ضعف التعاون الإقليمي
والدولي:
على
الرغم من أهمية تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في إدارة الموارد البحرية المشتركة
ومكافحة التحديات العابرة للحدود (مثل الصيد غير القانوني والتلوث البحري)، إلا أن
القوانين والسياسات اليمنية لا تركز بشكل كافٍ على تعزيز هذا التعاون أو تفعيل
الاتفاقيات الدولية والإقليمية ذات الصلة [2].
بناءاً على ما
تم عرضه من فجوات سابقة، نستنتج ان هناك حاجة ملحة إلى مراجعة شاملة للإطار
القانوني والسياساتي الحالي في اليمن، وتطوير تشريعات جديدة وتبني رؤية استراتيجية
متكاملة لتمكين اليمن من تحقيق أقصى استفادة من إمكاناتها في الاقتصاد الأزرق
بطريقة مستدامة.